responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 59
يَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ إِنْ كَانَ يَعْلَمُهُ فَيَنْفِرُ طَبْعُهُ مِنْهُ كَمَا يَنْفِرُ إِذَا قَالَ له إنه يوجب العذاب ويورث العقاب.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
يَعْنِي حَقِيقَتَهَا وَكَوْنُ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِبُطْلَانِ مَا سِوَى اللَّهِ وَفَسَادِ عِبَادَةِ مَا عَدَاهُ، وَفِيهِ مَعْنًى حُكْمِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ الْحَدْسِيَّ يَعْلَمُهُ الْعَاقِلُ وَالْعِلْمَ الْفِكْرِيَّ الدَّقِيقَ يَعْقِلُهُ الْعَالِمُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ أَدْرَكَهُ كَمَا هُوَ بِكُنْهِهِ لِكَوْنِ الْمُدْرَكِ ظَاهِرًا وَكَوْنِ الْمُدْرَكِ عَاقِلًا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِأَشْيَاءَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَيَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ سَابِقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَالِمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ دَقِيقًا فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ فَيُدْرِكُهُ وَلَا يُدْرِكُهُ بِتَمَامِهِ وَيَعْقِلُهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا. إِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُهُ: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ يَعْنِي هُوَ ضَرَبَ لِلنَّاسِ أَمْثَالًا وَحَقِيقَتُهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ بِأَسْرِهَا فَلَا يُدْرِكُهَا إِلَّا الْعُلَمَاءُ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْخَلْقَ بِالْإِيمَانِ وَأَظْهَرَ الْحَقَّ بِالْبُرْهَانِ وَلَمْ يَأْتِ الْكُفَّارُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصًا فِيهَا عِبَرٌ، وَأَنْذَرَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِإِهْلَاكِ مَنْ غَبَرَ، وَبَيَّنَ ضَعْفَ دَلِيلِهِمْ بِالتَّمْثِيلِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا بِذَلِكَ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَحَصَلَ يَأْسُ الناس عنهم سلَّى المؤمنين بقوله:

[سورة العنكبوت (29) : آية 44]
خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
يَعْنِي إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا هُمْ لَا يُورِثُ كُفْرُهُمْ شَكًّا فِي صِحَّةِ دِينِكُمْ، وَلَا يُؤَثِّرُ شَكُّهُمْ فِي قُوَّةِ يَقِينِكُمْ، فإن خلق الله السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لِلْمُؤْمِنِينَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ، وَبُرْهَانٌ بَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ، وَفِي الْآيَةِ مَسْأَلَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَيْفَ خَصَّ الآية في خلق السموات وَالْأَرْضِ بِالْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ فِي خَلْقِهِمَا آيَةً لِكُلِّ عَاقِلٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَانَ: 25] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِلَى أَنْ قَالَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَةِ: 164] فَنَقُولُ خَلْقُ السموات وَالْأَرْضِ آيَةٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ وَخَلْقُهُمَا بِالْحَقِّ آيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَحَسْبُ، وَبَيَانُهُ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ، أَمَّا النَّقْلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الدُّخَانِ: 39] أَخْرَجَ أكثر الناس عن العلم يكون خَلْقِهِمَا بِالْحَقِّ مَعَ أَنَّهُ أَثْبَتَ عِلْمَ الْكُلِّ بأنه خلقهما حيث قَالَ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَ أَوَّلَ مَا ينظر إلى خلق السموات وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ أَنَّ لَهُمَا خَالِقًا وَهُوَ اللَّهُ ثُمَّ مَنْ يَهْدِيهِ اللَّهُ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْهُمَا عِنْدَ مُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ إِنَّهُ خَلَقَهُمَا مُتْقِنًا مُحْكِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ، لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْإِحْكَامِ يَفْسُدُ وَيَبْطُلُ فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ خَلَقَهُمَا مُتْقِنًا يَقُولُ إِنَّهُ قَادِرٌ كَامِلٌ حَيْثُ خَلَقَ وَعَالِمٌ عِلْمُهُ شَامِلٌ حَيْثُ أَتْقَنَ/ فَيَقُولُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ أَجْزَاءُ الْمَوْجُودَاتِ فِي الأرض ولا في السموات وَلَا يَعْجِزُ عَنْ جَمْعِهَا كَمَا جَمَعَ أَجْزَاءَ الْكَائِنَاتِ وَالْمُبْدَعَاتِ، فَيُجَوِّزُ بَعْثَ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَبِعْثَةَ الرَّسُولِ، وَيَعْلَمُ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَفَسَدَتَا وَلَبَطَلَتَا وَهُمَا بِالْحَقِّ مَوْجُودَانِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْإِيمَانُ بِتَمَامِهِ، مِنْ خَلْقِ مَا خَلَقَهُ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَلَّى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الآية سلى رسوله: بقوله تعالى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 45]
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست